العزة والقوة من ثمرات التوكل

العزة والقوة من ثمرات التوكل






إن الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد، فإن من أعظم ثمار التوكل على الله أنه يورث العزة والقوة والثبات والشجاعة، فالقوة الحقيقية هي قوة الإيمان لا قوة البدن فقط.
قال تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 21]، فقضاء الله ثابت ووعده نافذ لا محالة.
فقد قضى الله وخط في أم الكتاب غلبته ورسله، فهو سبحانه ذو قوة وقدرة على هلاك كل من حاده ورسله، ذو عزة فلا يقدر أحد أن ينتصر منه إذا هو أهلك وليه أو عاقبه، أو أصابه في نفسه بسوء[1].
فالله تعالى قادر على نصرة أنبيائه غالب لا يدفعه أحد عن مراده، وهذا وعد لا يخلف، ولا يغير، فإنه من اصادق القوي العزيز، الذي لا يعجزه شيء يريده لمن آمن به، وبرسله، واتبع ما جاء به المرسلون من حزب الله المفلحين، الذي لهم الفتح والنصر والغلبة في الدنيا والآخرة بالحجة أو بالسيف أو بهما معًا[2].

فالقوة والعزة متلازمان، ففي العزة معنى يدل على الشدة والقوة[3]، فالمؤمن إذا أراد أن يكون من أقوى الناس، وأعزهم فما عليه إلا أن يكل أمره إلى العزيز القوي، فأنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين كانوا في عزة، وقوة، وتحدي أمام أعدائهم، مع قلة الاتباع، ولكن ركنوا وتوكلوا على الذي لا يخذل من لاذ بجنابه.

قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} [هود: 66]، "فهو القادر على كل شيء والغالب عليه لا غيره"[4]، ولن تكون هذه العزة والقوة إلا بطاعة الله، وطاعة رسوله، وبالتوكل الحقيقي وتفويض الأمر إليه سبحانه، وبهذا تكون الكفالة والتأييد لمن توكل وأناب إليه سبحانه.

فطبيعة الإيمان إذا تغلغلت في نفس المؤمن بتقوية ما يقتضيه الإيمان من الثقة بالله، والاستعانة به، وصدق التوكل عليهن وحسن الظن به ومقاومة أهواء النفسن، ومخالفتها، وممارسة العبادات، وابتغاء مرضاة الله، وجعل ذلك هدفًا، وأن يعلم أن الجائزة العظمى هي الجنة، فهذه الأمور جميعها، تضفي، وتلبس صاحبها القوة التي تنطبع في سلوكه كله، والعزة في شخصيته فإذا تكلم تكلم بقوة ويقين، وإذا عمل كان راسخًا متقنًا عمله.
والقرآن الكريم مليء بالآيات التي تكلمت عن العزة والقوة لله وللمؤمنين وأسبابها، فمن هذه الآيات:

قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران: 123 - 126]، إن الله تعالى أظهر للمؤمنين على عدوهم مع كثرة عدد العدو، وقلة عدد المؤمنين، وذلك لصبرهم وتقواهم وطاعتهم لربهم ولرسوله، وتوكلهم عليه سبحانه.
فسياق الآيات دليل على أنه بعد توكلهم، وتقواهم لله تعالى رزقهم بالنصر، والعزة، فهو عزيز لا يغلبه أحد حكيم في تدبيره أمور المؤمنين وشؤونهم.

وقال تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 9، 10]، إن الله تعالى أجاب استجارة المؤمنين، ودعاءهم للنصر على اعدائهم، فأمدهم بالملائكة يردف بعضهم بعضًا، وما هذا الإمداد إلا بشارة يبشر الله بها بالنصر على العدو، ويسكن القلوب، وبذلك توقن بنصر الله، ينصر سبحانه من يشاء من خلقه، لا يقهره شيء، ولا يغلبه غالب، بل يقهر كل شيء ويغلبه، لأنه خلقه، فسبحانه حكيم في تدبيره، ونصره من نصر، وخذلانه من خذل من خلقه، لا يدخل تدبيره وهن ولا خلل.
فنصر الله هذا من مننه سبحانه الكثير على عباده المؤمنين، ومن هنا نعلم أن لا استجارة ولا استغاثة، ولا توكل إلا على الله مقدر الأمور والأسباب وميسرها سبحانه.

فتمسك المؤمن بشرع الله في كل المجالات، والجوانب هي قوة وإعزاز فينبغي أن يعلق المسلم حقوقه ويملأ بها يديه ويتشبث بها، فالعزة والقوة في طاعة الله ورسوله، فالمؤمن يعمل على أساس ذلك، وعلى هذا الأساس يأخذ نصيبه كاملًا غير منقوص، فإذا اعتدى عليه أحد أو طمع فيه باغ كان انتصابه للدفاع عن نفسه جهادًا في سبيل الله، كذلك العزة والقوة في أن يبذل المرء المؤمن قصارى جهده في بلوغ مآربه بعد توفيق لله تعالى له ترك للحظوظ أن تضع شيئًا.

فالتوكل الذي يقوي المؤمن ضرب من الثقة بالله، يريح نفس المؤمن عندما تكتنفه ظروف محرجة، ويلتفت حوله فلا يرى عونًا، ولا أملًا! فالمكافح قوي عزيز شديد البأس يشعر عندما يتوكل على الله أنه آوى إلى ركن شديد، ويستمد من هذا التوكل ثباتًا ورباطًا، وعزة ويظل يقاوم حتى تبرق بشائر النصر خلال الجو الملبد.
 
 الهوامش:
[1] انظر: للطبري، جامع البيان، (7/250-251)
[2] انظر: للرازي، مفاتيح الغيب، مج 15 (29-30/276)، وللسعدي، تيسير الكريم الرحمن، (5/200)، وللجزائري، أيسر التفاسير (5/299)
[3] انظر لابن منظور، لسان العرب، مادة عزز، ص 2924، وانظر للأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، ص 332.
[4] انظر: لأبي السعود، إرشاد العقل السليم، (3/48)

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
العزة والقوة من ثمرات التوكل doc
العزة والقوة من ثمرات التوكل pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى