احتفال الصوفية برأس السنة الهجرية

احتفال الصوفية برأس السنة الهجرية




عبد الله بن عبد العزيز بن أحمد التويجري
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاماً على النبي المصطفى، وبعد: ففي بداية كل سنة هجرية تحتفل بعض الدول الإسلامية بعيد رأس السنة، فتعطل الأعمال في اليوم السابق له، واليوم اللاحق له. وليس لاحتفالهم هذا أي مستند شرعي، وإنما هو حب التقليد والمشابهة لليهود والنصارى في احتفالاتهم.
وأول من احتفل برأس السنة الهجرية هم ناصري البدعة حكام الدولة العبيدية- الفاطمية- في مصر.
وعيد رأس السنة من أعياد اليهود التي نطقت بها التوراة، ويسمونه رأس هيشا، أي عيد رأس الشهر، وهو أول يوم من تشرين، ينزل عندهم منزلة عيد الأضحى عند المسلمين، ويقولون: إن الله عز وجل أمر إبراهيم بذبح إسحاق([1]) ابنه- عليهما السلام - فيه، وفداه بذبح عظيم([2]).
فجاء النصارى فقلدوا اليهود، وصاروا يحتفلون بليله رأس السنة الميلادية. ولهذا الاحتفال عندهم مراسم خاصة، وذلك أنه في تلك الليلة- ليلة أول يوم من العام الجديد- يجتمع المحتفلون ويسهرون على موائد الأكل والشرب المباحة والمحرمة، في أماكن عامة للأكل والشرب والرقص واللهو.
فلذلك تجد كثيراً من شباب المسلمين وشيبهم يحرصون على حضور هذه الاحتفالات، سواء في بلادهم، أو في بلاد الغرب أو الشرق، لكيلا تفوتهم هذه المراسم، ويخسرون في سبيل ذلك المال الكثير، ويعتبرون ذلك فرصة يجب أن تنتهز؛ لأنها - كما يزعمون- من ليالي العمر التي لا تنسى!!! ولم يتوقف الاحتفال بها على النصارى فقط، بل صار كثير من البلدان الإسلامية، والتي ربما يوجد بها نسبة من النصارى ولو قليلة، يحتفل العامة فيها بعيد رأس السنة الميلادية.
وسرى التقليد إلى أن احتفلوا أيضاً برأس السنة الهجرية، ولكن المراسم تختلف.
ولا شك أن في هذا الاحتفال - الاحتفال برأس السنة الهجرية - أمر محدث مبتدع، لم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه رضوان الله عليهم، ولا عن السلف الصالح من التابعين وتابعيهم وأعلام الأمة وعلمائها من الأئمة الأربعة وغيرهم رحمة الله عليهم.
ولكن حدث ذلك بعد القرون المفضلة، بعدما اختلط المسلمون بغيرهم من اليهود والنصارى، ودخل في الإسلام من يريد بذلك أن يفسد على المسلمين دينهم، فصاروا يحتفلون بأعياد اليهود والنصارى، وهذا مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: {لتتبعن سنن من كان قبلكم...} الحديث([3]).
وقد اخترع الصوفية دعاء لليلتي أول يوم من السنة وآخرها، وصار العامة في بعض البلدان الإسلامية يرددونه مع أئمتهم في بعض المساجد، وهذا الدعاء لم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، ولا عن التابعين، ولم يرو في مسند من المسانيد([4]). وهذا نصه: اللهم ما عملته في هذه السنة مما نهيتني عنه ولم ترضه، ونسيته ولم تنسه، وحلمت علي في الرزق بعد قدرتك على عقوبتي، ودعوتني إلى التوبة بعد جرَاءَتي على معصيتك، اللهم إني أستغفرك منه فاغفر لي، وما عملته فيها من عمل ترضاه ووعدتني عليه الثواب فأسألك يا كريم، يا ذا الجلال والإكرام أن تقبله مني، ولا تقطع رجائي منك يا كريم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. ويقولون: فإن الشيطان يقول: قد تعبنا معه سائر السنة، فأفسد عملنا في واحدة، ويحثو التراب على وجهه. ويسبق هذا الدعاء صلاة عشر ركعات، يقرأ في كل ركعة الفاتحة، ثم آية الكرسي عشر مرات، والإخلاص عشر مرات([5]).
ولا يخفى على طالب العلم أن الدعاء عبادة، والعبادات توقيفية، وهذا الدعاء لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر عن أحد من الصحابة - رضي الله عنهم- كما تقدم.
ومما أحدث أيضاً في يومي آخر السنة وأولها صيامهما، واستند المبتدعة إلى حديث: {من صام آخر يوم من ذي الحجة، وأول يوم من المحرم، فقد ختم السنة الماضية، وافتتح السنة المستقبلة بصوم جعل الله له كفارة خمسين سنة}([6]).

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه.

الهوامش

 ([1]) هذا كذب وافتراء من اليهود، فالذبيح هو إسماعيل وليس إسحاق -عليهما السلام-؛ لأن أول ولد بشر به إبراهيم -عليه السلام- هو إسماعيل -عليه السلام-، وهو أكبر من إسحاق -عليه السلام-، وهذا باتفاق المسلمين وأهل الكتاب، بل نص في كتابهم أن إسماعيل -عليه السلام- ولد ولإبراهيم -عليه السلام- ست وثمانون سنة، وولد إسحاق -عليه السلام- وعمر إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- تسع وتسعون سنة. وكونهم قالوا: إن الذبيح هو إسحاق وليس إسماعيل -عليهما السلام-؛ لأن إسحاق أبوهم وإسماعيل أبو العرب فحسدوهم. فقولهم تحريف وباطل عند عامة العلماء، إلا قولاً شاذاً في هذا لا يعول عليه. يراجع: تفسير ابن كثير (4/14)، تفسير سورة الصافات، الآيات (99-113).
 ([2]) يراجع: نهاية الأرب للنويري (1/195).
 ([3]) رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (13/300) كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، حديث (732). ورواه مسلم في صحيحه المطبوع مع شرح النووي (16/219) كتاب العلم، واللفظ له.
 ([4]) يراجع: إصلاح المساجد (ص:129).
 ([5]) يراجع: رسالة روى الظمآن في فضائل الأشهر والأيام، (ص:21).
 ([6]) رواه ابن الجوزي في الموضوعات (2/199)، وقال: الهروي هو الجويياري، ووهب، كلاهما كذاب وضاع. 

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى