الأماكن الإسلامية بمكة المكرمة وعناية الملك عبد العزيز بها

الأماكن الإسلامية بمكة المكرمة وعناية الملك عبد العزيز بها






الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛
لقد كان كتاب الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان عبارة عن خمس مقالات نشرت في جريدة عكاظ بتاريخ (20/1/1430هـــ) و(22/1/1430هـــــ) و (24/1/1430هــــ) و(28/1/1430هــــ) بعنوان:

(الأماكن الإسلامية بمكة المكرمة وعناية الملك عبد العزيز بها)

          ولكنه نشر غير مرتب، ولقت نقلت المقالات مجموعة في مواقع عدة وأغلبها ذات اهتمامات صوفية، ولق وجدته كاملا في موقعين هما: www.makkawi.com وموقع www.yel.org في كل موقع نقص يسير تم إكماله من الأخر، وقد نقلته منهما.

          ولكن معالي الدكتور أخرج هذه المقالات بعد ترتيبها وزيادة بعد الإضافات عليها في هذا الكتاب وهو المعول عليه في بحثي بالمناقشة والتعقيب والرد، فهو آخر ما أخرجه الدكتور، مع ما للكتاب من استقلال وعدم تأثير أطراف أخرى، وقد تؤخذ بالاعتبار عند كتابة المقال الصحفي، ولقد جاء كتاب معالي الدكتور في: مقدمة وستة فصول وخاتمة.

ولقد حاول معالي الدكتور جاهدا في بحثه إثبات النقاط التالية:

          1- أهمية الأماكن الإسلامية المأثورة بمكة المكرمة.

          2- إن الاهتمام بها هو من هدي السلف، وأنهم قد شيدوا المساجد في مواقعها.

          3-وجوب المحافظة عليها، وإعطائها المكانة اللائقة بها.

          4- إن المؤرخين وأصحاب السير والفقهاء اهتموا بها.

          5-ذكر ا اندثر منها وما بقي.

          6-اهتمام الملك عبد العزيز بها.

          7- إن إزالتها اعتداء على مشاعر المسلمين.

          8-إن مولد النبي ثابت بالتواتر ولا يشك-فيهوهذا من أهم النقاط لتي ركز عليها في كتابه وكررها في أكثر من موضع-.

وقد لاحظت على الكتاب الأمور التالية:

          1-ندرة استدلال معالي الدكتور بالأدلة الشرعية التي عليها المعول من نصوص الكتاب والسنة على ما أثبته، مع أن الموضع شرعي، فإما أن يثبت بالدليل أو يتراجع عما قرره.

          2-كثرة المنقولات التي لا دليل عليها، أو تخالف الدليل الصحيح.

          3-كثرة اعاءات معالي الدكتور من غير البرهنة عليها.

          4- كثرة المغالطات العلمية، إما ببتر النصوص، أودمجها، أو استخدام مصطلحات في غير معانيها.

          5- مخالفته لمنهج السلف المتفق عليه في هذه المسألة، وقد تقدم بيانه بالدليل في الفصل السابق.

          6-الدعوة إلى تعظيم المشاهد وتقديسها على خلاف منهج السلف.

          7- عدم اهتمامه بالأماكن الثابتة والتي جاء الشرع باعتبارها، كالمسجد الحرام والكعبة والمقام.

          8- دعواه عناية الملك عبد العزيز بالآثار بمكة، مع أن الثابت هو اهتمامه بالمسجد الحرام لا ببيت المولد المزعوم، وإقحام اسم الملك رحمه الله في هذا الموضوع ظاهر القصد منه.

الملحوظات التفصيلية على كتاب الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان

إن العنوان الذي وضعه معالي الدكتور لكتابه: "الأماكن المأثورة المتواترة في مكة المكرمة عرض وتحليل" لا يتسق مع محتوى الكتاب، فمن يقرأ كتاب معالي الدكتور يجد أنه يذكر أماكن كثيرة ويذكر أنها مندثرة كما في (151-157)، وهذا يتعارض تماما مع قوله في عنوان الكتاب المأثورة، فالمندثر غير مأثور، وكذلك الحال بالنسبة قوله في عنوان الكتاب "المتواترة" فهناك أماكن لم يذكر أنها متواترة كما في (65) فقرة(4، 5، 6)، بل صنيعه يدل على أنها غير متواترة.

          والخلاصة أن اسم الكتاب لا يطابق محتواه تماما.

التأصيل في التدوين للأماكن المأثورة في مكة المكرمة.

                   أولا: رسالة التابعي الجليل الإمام الحسن البصري رحمه الله.

          ذكر معالي الدكتور أن بداية التدوين في هذا الموضوع كانت على يد الإمام الحسن البصري: حيث قال:

          "بداية هذا التدوين-فيما أحاط به العلم- رسالة التابعي الجليل الإمام أبي سعيد الحسن بن أبي الحسين البصري(110هـــ) التي خاطبها صديقه الزاهد عبد الرحيم، أو عبد الرحمن بن أنس الرمادي، وكان يسكن مكة، شرفها الله، ثم أراد مغادرتها إلى اليمن، فبلغ ذلك الحسن، وكان يواخيه في الله تعالى، فكتب إليه كتابا يرغبه في المقام بمكة زادها الله شرفا" وذكر له من فضائلها، وخصائصها ما يثني عزم صديقه الزاهد عبد الرحيم بن أنس الرمادي عن مغادرة مكة المكرمة.

          ذكر الإمام الحسن البصري في هذه الرسالة المواضع التي يستجاب فيها الدعاء في مكة المكرمة قائلا لصديقه:" وما على وجه الأرض بلدة يستجاب فيها الدعاء في خمسة عشر موضعا إلا مكة: أولها: جوف الكعبة، الدعاء فيها مستجاب، والدعاء عند الحجر الأسود مستجاب، والدعاء عند الركن اليماني مستجاب، والدعاء عند الحِجر مستجاب، والدعاء عند الركن اليماني مستجاب، والدعاء في الملتزم مستجاب، والدعاء عند بئر زمزم مستجاب، والدعاء في الصفة والمروة مستجاب، والدعاء بين الصفا والمروة مستجاب، والدعاء بجمع مستجاب، والدعاء بعرفات مستجاب، والدعاء في المشعر الحرام مستجاب.

          فهذه أخي عشر موضعا، فاغتنم الدعاء فيها، فإنها المواضع التي لا يرد فيها الدعاء، وهي المشاهد العظام، وإنك إذا خرجت من حرم الله تعالى وأمنه ذهبت عنك بركة هذه المشاهد"[1].

          أراد الدكتور أن يؤصل في الفصل الأول للتدوين للأماكن المأثورة المتواترة بمكة المكرمة، ولكن جاء التأصيل ضعيفا جدا، بل التأصيل في وارد، وما استدل به في واد آخر.

          فقد استدل أولا: برسالة التابعي الجليل الحسن البصري رحمه الله على التأصيل.

          وهنا ثلاثة أمور تجعل رسالة الحسن رحمه الله ليس لها علاقة بهذا التأصيل:

أولا: موضوع الرسالة والهدف منها.

          إن هذه الرسالة قد كتبها الحسن إلى أخ له بمكة أراد أن ينتقل عنها إلى اليمن، فأراد الحسن أن يدعو صابحه للمكث بمكة، وأن يحثه على البقاء بها، فجاء حث الحسن البصر له بالأمور التالية:

          1- إن مكة خير أرض الله، وأفضل البقاع، واستدل لذلك من كتاب الله، وجمع الآيات في ذلك، ثم استدل على ذلك بأحاديث السنة المطهرة مع أن كثيرا مما ذكر في الرسالة هو من قبيل الضعيف والموضوع.

          2-ذكر فضائل لمكة عموما والكعبة والمسجد الحرام خصوصا، من تلك الفضائل ماله دليل صحيح، وكثير منها لا دليل عليه أو دليله ضعيف لا يعتمد عليه ولا يعتد به.

          3-ذكر أن مواطن يستجاب بها الدعاء وسردها سردا وهي على قسمين: قسم داخل المسج الحرام، وقسم آخر هو مشاعر الحج: عرفة ومزدلفة ومنى.

          فليس هناك أي ذكر للأماكن التي يريدها معالي الدكتور ألبتة كبيت المولد وغار ثور.

          وبهذا يتضح أن الرسالة لا علاقة لها بالأماكن المأثورة التي يريدها معالي الدكتور لا من قريب ولا من بعيد.

ثانيا: الجزء أو المقطع الذي استدل به معالي الدكتور على أن بداية التدوين فيما أحاط به العلم

          إن المتأمل لرسالة الحسن البصري رحمه الله يعلم أن مقصوده هو الدعاء، إذ يكرر في قوله لصاحبه: والدعاء عند...، والدعاء عند...، والدعاء خلف...، والدعاء عند...، والدعا بين...، والدعاء بــــ...، والدعاء في... فجاءت جل الرسالة على هذا السياق.

          وليس فيها ذكر الأماكن الإسلامية المأثورة بالمعنى الذي يقصده معالي الدكتور فهو لم يدع صاحبه إلا إلى المشاهد التي نص الشرع على اعتبارها وهي المسجد الحرام، ومنه: جوف الكعبة، والحجر الأسود، الركن اليماني، والحجر، المقام والملتزم، وبئر زمزم، الصفا والمروة، والمشاعر، وهي: عرفات، والمزدلفة، ومنى فقط، ولم يزد الحسن على هذين الأمرين، ولكن صنيع معالي الدكتور فيه إيهام بأن الحسن رحمه الله كان أول من كتب عن الأماكن بمكة المكرمة بالمفهوم الذي بثه معالي الدكتور في كتابه، مع أن هذه هي المواطن التي جاءت نصوص الكتاب والسنة على اعتبارها، والحسن البصري ذكر صاحبه أن لها فضيلة استجابة الدعاء، ولذا رغبه في البقاء فيها.

          فرسالة الحسن مقصورة على الدعاء، وعلى ما جاء النص الشرعي على اعتباره، فلم نجد في رسالته ذكرا لبيت مولد النبي صلى الله عليه وسلم أو بيت خديجة رضي الله عنها، أو غار ثور...إلخ، كما يريد أن يقرر معالي الدكتور، ولكن معالي الدكتور جعل الحسن البصري رحمه الله هو أول من كتب عن الأماكن بمكة، وهذا مجانب للأمانة العلمية، إذ لا يصح صرف القارئ عن المراد بالنص إلى آخر غير مراد يخالف مراد صاحب المقال.

ثالثا: الحكم على رسالة الحسن من حيث صحة نسبتها إليه.

          لم يتطرق معالي الدكتور إلى نقد سند هذه الرواية ليتبين صحة الرسالة من ضعفها، ومعالي الدكتور اعتمد على الرسالة واستنبط منها حكما وقضية وجعلها أساسا في التأصيل من غير ذكر لصحة السند وهذا مخالف للمنهج العلمي الصحيح، إذ لا يصح عليما الاعتماد على رواية حتى يتبين للباحث صحتها، فعلى معالي الدكتور إثبات صحة هذه الرسالة، حتى يعتمد عليها في التأصيل لهذا التدوين الذي يريده.

          ولكن لعلي أوفر على معالي الدكتور البحث والتنقيب عن الحكم على سند هذه الرسالة وهل تصح نسبتها للحسن البصري رحمه أم لا؟ فالوصول للحقيقة والصواب من التعاون على البر والتقوى، لذا فقد تفحصت الرسالة وتأملتها فرابني فيها أمران:

          الأمر الأول: من ناحية السند إذ فيه جهالة كما سيأتي بيانه قريبا.

          الأمر الثاني: وهو الذي لفت انتباهي كثيرا، وهو أن طريقة التأليف أو الكتابة لهذه الرسالة ليست على الطريقة المتبعة لأهل العلم في ذاك الزمان، إذ أهل العلم إذ ذاك لا يروون الآثار إلا بالسند سواء في الحديث أو التاريخ والقصص بل حتى الفقه، فقد كان السند أمرا بالغ الأهمية لديهم لا يتصور أن يكتب أحدهم في العلم شيئا منقولا لا يذكر له سندا، وهذا أمر فروع منه عندهم ولا ينازع فيه أحد، فإذا ما نظرنا في هذه الرسالة وجدناها قد ملئت بكثير من الأحاديث المجردة من الأسانيد بالشكل الذي يقطع معه أنها كتبت في غير ذلك الزمان ثم نسبت إلى الإمام الحسن البصري رحمه الله، وقد وجدت للدكتور/محمد الغبان دراسة حول الحكم على هذه الرسالة من حيث السند، تؤكد ما أقول، إذ يقول الدكتور محمد:" ولا يصح نسبتها إلى الإمام الحسن البصري، لأربعة أسباب:

          1-جهالة الإسناد وانقطاعه، قال الفاكهي: وحدثني عبد الله بن منصور، ونسخت من كتابه هذا الحديث، قال: قال أخذت نسخة هذا الكلام من كتاب رجل قال: هذا كتاب الحسن بن أبي الحسن البصري رحمه الله في فضل مكة، إلى رجل من أهل الزهادة، ثم ذكره.

          فلم يسم الرجل الذي حدث عبد الله بن منصور، ولم يذكر عمن أخذه.

          وعبد الله بن منصور شيخ الفاكهي هو أبو العباس المؤذن، ترجمه الخطيب البغدادي، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، فلا عبرة بهذا الإسناد المجهول المنقطع.

          2-أن الرسالة مجردة من الأسانيد تماما، وهذا يخالف مألوف ذلك العصر الذي تميز بالأسانيد.

          3- جل الأحاديث والآثار المذكورة فيها غير ثابتة، ويبعد أن يعرض الحسن البصري عن الأحاديث المشهورة على غيرها، وهو الإمام المحدث.

          4- اشتملت الرسالة على أمور مبالغ فيها، كقوله:" ولنومك فيها-يعني مكة- بالليل وإفطارك بالنهار يوما واحدا في حرم الله تعالى أرجى وأفضل عندي من صيام الدهر وقيامه في غيرها" وهذا باطل بلا شك"[2].

          وبهذا يبطل الاستدلال بهذه الرسالة على أنها تأصيل للتدوين للأماكن المأثورة المتواترة بمكة المكرمة.

          يركز معالي الدكتور على قضية التواتر: إذ قول:" ثم تتابعت الكتابات في هذا الموضوع، وتواترت عند المحدثين، والفقهاء، والمؤرخين، والفقهاء...".

          مع أنها دعوى عارية عن الصحة، بل وكلامه يدل على أنها دعوى غير صحيحة، إذ يقول:" ثم تتابعت..." ومن المعلوم أن التواتر يشترط فيه الكثرة في كل طبقات السند، فما بالها في طبقة الحسن واحدة، ثم يدعي بعدها التواتر هذا أمر مرفوض يعلم بطلانه صغار طلبه للحديث، وسيتكرر معنا كثيرا دعواه للتواتر[3]، وفي كل مرة سيذكر معالي الدكتور دللا يدر به على نفسه وهو لا يشعر.

 



[1] انظر الأماكن المأثورة المتواترة في مكة المكرمة عرض وتحليل، (19-20).

[2] انظر: فضائل مكة للغبان (1/34).

[3] انظر: الأماكن المأثورة المتواترة في مكة المكرمة عرض وتحليل (20).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
الأماكن الإسلامية بمكة المكرمة وعناية الملك عبد العزيز بها.doc doc
الأماكن الإسلامية بمكة المكرمة وعناية الملك عبد العزيز بها.pdf pdf

ذات صلة

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى